3 فبراير 2020

مجلس الدول العربية والأفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن الفرص والتحديات

بقلم د. أشرف العيسوي

يؤسس “مجلس الدول العربية والأفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، والذي تم الإعلان عنه في العاصمة السعودية الرياض في السادس من يناير 2020، لتكتل إقليمي جديد يتبنى رؤية شاملة للتعاون بين أعضائه ويهدف إلى ضمان أمن البحر الأحمر وخليج عدن، <ويحظى بدعم العديد من القوى الدولية ما يعني خلق فرص عديدة تعزز من أسس الأمن والاستقرار والتنمية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

ورغم أن هذا المجلس الجديد يتيح فرصاً عديدة للتعاون بين أعضائه الثمانية، والعديد من القوى الدولية التي من مصلحتها وجود مثل هذا التجمع الإقليمي الذي يستهدف ضمان أمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن باعتبارهما من أهم الممرات المائية الدولية؛ إلا أنه في المقابل قد يواجه تحديات مستقبلية، تتمثل في تطلعات بعض القوى الإقليمية التي تمتلك تصورات مغايرة لأمن البحر الأحمر وخليج عدن؛ واستمرار الأزمة اليمنية، وما يرتبط بها من مخاوف تتعلق بإمكانية لجوء ميليشيات الحوثي إلى تهديد حركة الملاحة في البحر الأحمر، وتوظيف ذلك كورقة للضغط والمساومة في أية مفاوضات سياسية محتملة، هذا فضلاً عن اختلاف رؤى القوى الكبرى حول كيفية تحقيق أمن البحر الأحمر، وما قد يتبع ذلك من محاولات لإقامة تحالفات جديدة تعزز نفوذها وتضمن مصالحها في هذه الممرات المائية. كما أن استمرار التوتر بين واشنطن وطهران، في الوقت ذاته، قد يدفع الأخيرة إلى التهديد بعرقلة حركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن في إطار استراتيجية الردع المتبادل، ولإعطاء الانطباع بأنها ما تزال تمتلك القدرة على تهديد المصالح الحيوية التي ترتبط بالأمن والاقتصاد الدوليين.

فسلفة إنشاء “مجلس الدول العربية والأفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”

تُستمد قيمة أية تكتل إقليمي جديد من طبيعة الأهداف التي ينطلق منها، وطبيعة العلاقات البينية التي تربط الدول الأعضاء به من ناحية، وما يمثله من قيمة جيوسياسية واستراتيجية تتجاوز محيطه الإقليمي من ناحية أخرى؛ ففي ما يتعلق بـ “مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، فإنه يشكل أولاً منظوراً جديداً للتعاون الإقليمي، حيث يأخذ في الاعتبار العلاقة الوثيقة بين الأمن والتنمية. كما أنه لا يضم دولاً تنتمي إلى إقليم موحد، كباقي التكتلات الأخرى، وإنما يضم قائمة من الدول تنتمي إلى دوائر ثلاث هي: الخليجية والعربية والأفريقية بما فيها (المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية السودان، وجمهورية اليمن، ودولة إريتريا، وجمهورية الصومال الفيدرالية، وجمهورية جيبوتي)، وتشترك هذه الدول في تصوراتها ورؤاها لكيفية تأمين البحر الأحمر وخليج عدن[i]، ما يعني أن لهذا التكتل أن يشكل إطاراً أوسع لتكامل عربي إفريقي شامل يسهم في إعادة صياغة العلاقات العربية – الإفريقية وتشكيلها في ضوء التحديات التي تواجه الطرفين[ii].

السمة الثانية

التي تميز هذا التكتل الإقليمي أنه يتبنى رؤية شاملة للتعاون بين أعضائه لا تقتصر فقط على التعاون الأمني، وإنما تتضمن العديد من الجوانب الأخرى التي يسعى من خلالها إلى تعزيز التنسيق والتعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والبيئي. كما أن هذا المنظور الشمولي للمصالح المشتركة بين أعضاء هذا المجلس يستمد قوة إضافية من خلال أخذه في الاعتبار مصالح الدول المشاطئة ودول المنطقة والعالم ما يجعله يحظى بالقبول والتأييد الدوليين، وما يجعله يعزز من فرص نجاحه في المستقبل؛ خاصة وأنه يستهدف العمل على ضمان أمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن باعتبارهما من الممرات المائية المهمة لدول المنطقة والعالم. ويسعى المجلس لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي إلى رفع مستوى التعاون والتفاهم وتنسيق المواقف السياسية بين دوله، وتوثيق التعاون الأمني بينها للحد من المخاطر التي يتعرض لها البحر الأحمر وخليج عدن بما يعزز أمن وسلامة الملاحة الدولية فيها، ومنع كل ما يهددها أو يعرضها للخطر، لاسيما جرائم الإرهاب وتمويله والقرصنة والتهريب والجريمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية.

السمة الثالثة

التي تميز هذا المجلس أنه يتكامل في أهدافه العامة مع المنظمات الإقليمية الأخرى والتعاون معها، خاصة في ما يتعلق  بالعمل على تحقيق الأمن والتنمية، فرغم أن المجلس الجديد – كما يشير بيان التأسيس” لن يكون موازيًا لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وسيشكل منظومة عمل مشترك له أمناء واجتماعات، إضافة إلى اجتماعات قمة، وسيشكل مبادرة للتنسيق والتعاون ستشمل جميع المجالات”[iii]، فإنه يسعى إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الإقليمية الأخرى، الخليجية والعربية والأفريقية من منطلق وحدة الأهداف والمصالح المشتركة.

أما السمة الرابعة التي تميز “مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، فإنه ليس تكتلاً أو محوراً عسكرياً، حيث لا يوجد تصور لبناء قوة عسكرية جديدة حالياً خاصة به، وإن كان هذا لا ينفي إمكانية التنسيق والتعاون الثنائي بين الدول الأعضاء في هذا المجال[iv]؛ ولا شك في أن حرص المجلس الجديد على عدم الإشارة إلى وجود نية لبناء قوة عسكرية مشتركة تابعة له، على الأقل في المدى المنظور، إنما يعبر عن إدراك عميق من جانب أعضائه لما تثيره هذه المسألة من حساسية قد تؤدي إلى قلق بعض الدول من هذا التكتل الإقليمي الجديد، ومن ثم أرادت دوله الأعضاء أن تؤكد أن المجلس الجديد ليس موجهاً ضد أحد، وإنما هو مظلة للتعاون والتنسيق والتكامل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في هذه المنطقة التي ترتبط بأمن وتنمية المنطقة والعالم.

تنطلق الفلسفة العامة لـ مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” من منطلق السعي إلى تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حركة الملاحة في أهم الممرات المائية نظرا لما تشكله من أهمية جيوسياسية واستراتيجية واقتصادية للعالم، والدور الذي تلعبه في تعزيز الحضور العربي في هذه الممرات المائية، وتحجيم نفوذ القوى الإقليمية المناوئة للمصالح الخليجية والعربية التي تسعى دائمًا إلى النفاذ إلى هذه الممرات، وتوظيفها لخدمة أجندتها ومشروعاتها.

 أهمية المجلس الجديد الجيوسياسية والاستراتيجية والاقتصادية

تنبع أهمية “مجلس الدول العربية والأفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” ليس فقط من كونه يشكل محاولة جادة لضمان حرية الملاحة وحركتها في البحر الأحمر، وتعزيز التعاون بين أعضائه في العديد من المجالات، وإنما أيضاً من الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية والاقتصادية للبحر الأحمر وخليج عدن باعتبارهما من أهم الممرات الدولية على مستوى ضمان أمن الطاقة والاقتصاد العالمي؛ ومن هنا يمكن القول أن التجمع الإقليمي الجديد يشكل أهمية كبرى ليس فقط لأعضائه وإنما للعالم.

أولاً: في ما يتعلق بأهمية المجلس لدوله الأعضاء،

فإن الشعار الذي يرفعه هو التكامل والتعاون الوثيق في جميع المجالات لحماية أمن البحر الأحمر وخليج عدن من ناحية، والعمل على تعظيم الاستفادة من ثروات البحر الأحمر في إحداث تنمية حقيقية في الدول الأعضاء، خاصة أن الدول المطلة على البحر الأحمر تشكل كتلة بشرية واقتصادية مهمة، حيث تشير التقديرات أن الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول يتجاوز تريليون دولار. كما أنها تتمتع بثروة بشرية وسوق إقليمية كبيرة تتجاوز 233 مليون نسمة يمكن استغلالها، وهذا من شأنه أن يعزز من فرص التنمية والفوائد الاقتصادية لكافة دوله الأعضاء. كما يمكن ربط اقتصادات دول البحر الأحمر؛ مما سيسهم في تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة في هذه المنطقة[v].

كما يتيح المجلس الجديد فرصاً متنوعة للتعاون الاستثماري والتنموي بين أعضائه الثمانية، والدول الأخرى التي تشترك معها في مصالحها الاقتصادية، واستغلال الفرص المتاحة لإيجاد شراكات وإقامة مشروعات واستثمارات مشتركة تحفزها على التقدم الاقتصادي والتنموي وإنجاح المشروعات التي تقيمها، إلى جانب إتاحة الفرص لعقد اتفاقيات بين دول الكيان لاستكشافات نفطية جديدة على غرار البحر الأبيض المتوسط[vi].

تنظر المملكة العربية السعودية – التي استضافت الجلسات التحضيرية والتمهيدية للمجلس الجديد – إليه باعتباره ضرورة استراتيجية واقتصادية، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار حقيقة أن رؤيتها الطموحة 2030 تستهدف تطوير حوالي 200 كلم من شبكة الطرق على طول سواحل البحر الأحمر، بما في ذلك نحو خمسين جزيرة صغيرة، لتعزيز المبادرات السياحية التي تستهدف جذب الاستثمارات الأجنبية، في الوقت ذاته، فإن موقع مدينة “نيوم” السعودية المستقبلية سوف يكون داخل هذا الشريط الساحلي، بالإضافة إلى وجود خطة مشتركة بين الرياض والقاهرة لبناء جسر فوق البحر الأحمر، مما سيسهل المرور المباشر للبضائع بين البلدين، ويحقق التكامل بين الأسواق في كلٍّ من المنطقة العربية وأوروبا[vii]. ولهذا فإن من مصلحة السعودية الحفاظ على أمن البحر الأحمر وحمايته؛ بما يمكنها من الوصول الآمن جنوبا إلى خليج عدن والمحيط الهندي عبر مضيق باب المندب، وشمالا إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، حيث قد يتوجب على السعودية نقل مخزوناتها النفطية من شرق المملكة على الخليج إلى غربها، على البحر الأحمر، لتفادي التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز[viii].

وتنظر جمهورية مصر العربية هي الأخرى بحماس إلى المجلس الجديد لأنها تعتبر البحر الأحمر مهما بالنسبة لأمنها القومي، خاصة أنه يعد المدخل المباشر لقناة السويس عبر مضيق باب المندب، ولعل هذا يفسر توجه مصر مؤخراً نحو إنشاء قاعدة “برنيس” العسكرية التي تستهدف حماية وتأمين السواحل المصرية الجنوبية وحماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية ومواجهة التحديات الأمنية في نطاق البحر الأحمر، فضلاً عن تأمين حركة الملاحة العالمية عبر محور الحركة من البحر الأحمر وحتى قناة السويس والمناطق الاقتصادية المرتبطة بها[ix].

أما باقي الدول الأعضاء، فإنها تنظر إلى المجلس الجديد باعتباره إطاراً مؤسسياً يمكن أن يساعدها على تحقيق التنمية الشاملة، خاصة أنه يركز على تعزيز التعاون في العديد من المجالات التي تتيح فرصاً للتعاون المشترك في مجال المشروعات التنموية والبيئية والاجتماعية [x].

ثانياً: في ما يتعلق بالأهمية الدولية للبحر الأحمر وخليج عدن، فإنهما يعتبران من أهم الممرات المائية ليس للدول المطلة عليهما، بل ولدول المنطقة والعالم، وخاصة بالنظر للاعتبارات التالية:

  1. تعد منطقتا الخليج العربي والبحر الأحمر من أهم المناطق الاستراتيجية التي تؤثر بدرجة كبيرة في ميزان القوى الدولي، وفي صياغة العلاقات والمصالح الحيوية والاستراتيجية الدولية والإقليمية، فموقعهما الجغرافي المتوسط بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، والمنطقة العربية، وقربهما من مناطق المصالح الحيوية والاستراتيجية الدولية والإقليمية في منطقة وسط آسيا (عبر بحر قزوين)، ومنطقة جنوب وجنوب غرب آسيا (عبر المحيط الهندي)، ومنطقة خليج عدن، والقرن الأفريقي (عبر بحر العرب)، ومنطقة جنوب شرق القارة الأوروبية (عبر البحر المتوسط)؛ يعزز من أهميتهما الجيوسياسية والاستراتيجية للقوى الدولية الكبرى والإقليمية في المنطقة[xi].
  2. يتيح الموقع الاستراتيجي للبحر الأحمر للقوى الإقليمية والدولية إمكانية الوصول إلى المحيطين الهندي والأطلسي[xii]. كما يسهم بدرجة كبيرة في اختصار المسافة من الشرق إلى أوروبا، بدلا من الدوران حول القارة الإفريقية عبر رأس الرجاء الصالح[xiii]؛ وهذا ينطوي على عوائد اقتصادية كبيرة.
  3. يشكل البحر الأحمر قيمة كبيرة للاقتصاد العالمي، حيث يمر من خلاله نحو 3,3 ملايين برميل نفط يوميّاً، و13% من إجمالي التجارة العالمية. ويُمثل رابطاً أساسياً لحركة التجارة ما بين البحر المتوسط (أوروبا) والمحيط الهندي وبحر العرب، حيث يُقدر عدد السفن التجارية العابرة من خلال أكثر من 20 ألف سفينة سنوياً. كما أنه يعد الممر الرئيسي الذي يعبر من خلاله النفط الخليجي إلى أوروبا وأمريكا، فضلاً عن احتوائه على ثروات اقتصادية وموارد طبيعية متنوعة، فهو أغنى مناطق الثروة المعدنية البحرية في العالم[xiv]، وهذا يؤكد بوضوح أن حركة الملاحة في هذا الممر المائي المهم لها أبعاد دولية يجب عدم إغفالها، فهو عامل مهم ورئيسي في ضمان الأمن والسلم الدوليين؛ بما يمثله من صلة وصل بين الشرق والغرب، وبالتالي تنافس الدول لتجد موطئ قدم لها فيه.

 “مجلس الدول العربية والأفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” – تحديات محتملة

لا شك أن الإعلان عن تأسيس المجلس الجديد جاء في توقيت بالغ الدقة، لما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة تثير العديد من التحديات، وخاصة بالنسبة لأمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، ولعل أبرز هذه التحديات:

  1. التوتر الإيراني- الأمريكي، والذي تصاعدت حدته بعد اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري في 3 من يناير 2020 بواسطة قصف صاروخي أمريكي بالقرب من مطار بغداد، وما ترتب على هذه العملية من مخاوف بانتقال الصراع بين الدولتين إلى “نقطة اللاعودة”، في ظل تهديد طهران برد قاسٍ على هذه العملية التي طالت واحداً من أهم القيادات الأكثر نفوذاً في النظام الإيراني، والتي جاء ردها عليها رمزياً إذ لم تسفر الصواريخ التي أطلقتها على قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في العراق في التاسع من يناير 2020 عن خسائر بشرية أو مادية ملحوظة، إلا أن المخاوف تظل قائمة من إمكانية استهداف إيران سواء بشكل مباشر، أو عبر ميليشياتها المسلحة، لحركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، خاصة أن ثمة سوابق عديدة تشير إلى تورطها في هذه النوعية من الأعمال خلال الآونة الأخيرة. كما يشير تقرير أمريكي إلى أن إيران استخدمت البحر الأحمر لوقت طويل في إرسال الأسلحة إلى الجماعات المسلحة، وسبق أن هددت بإغلاق ممرات العبور الضيقة المرتبطة بالبحر الأحمر[xv].
  2. استمرار الأزمة اليمنية، ورفض ميليشيات الحوثي التجاوب مع مقترحات السلام التي تُبذل من أجل التوصل إلى حل ينهي هذه الأزمة، يثير المخاوف من إمكانية استهدافها لأمن الملاحة في الممرات المائية المرتبطة بالبحر الأحمر وخليج عدن مستقبلاً، لاسيما أنها تنظر لذلك باعتباره أحد أوراق الضغط التي يمكن من خلالها مساومة المجتمع الدولي لتخفيف الضغوط المفروضة عليها. وقد سبق أن تورطت هذه الميليشيات من قبل في تعطيل حركة الملاحة في الممرات والمضايق المائية المرتبطة بالبحر الأحمر، حيث حاولت استهداف ناقلات وبوارج حربية في باب المندب بزوارق مفخخة مسيرة عن بعد، وزرعت ألغاما عائمة لعرقلة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، واستخدمت القوارب المتفجرة والقذائف المضادة للسفن لمهاجمة السفن البحرية واتضح ذلك بجلاء في حادثة الاعتداء على ناقلة نفط سعودية في أبريل 2018[xvi]. كما سبق لميليشيات الحوثي في شهر أكتوبر من العام 2016 استهداف السفينة المدنية الإماراتية “سويفت” قبالة سواحل المَخا من خلال إطلاق صاروخ من الأراضي التي تسيطر عليها عبر مضيق باب المندب، الأمر الذي شكل تهديداً حقيقياً للملاحة في البحر الأحمر[xvii]. وثمة تحذيرات من أن ميليشيات الحوثي طالما ظلت تسيطر على أي جزء من ساحل اليمن على البحر الأحمر، فستظل لديها القدرة على تهديد أمن البحر الأحمر وضرب حركة الشحن الدولية واستيراد الأسلحة من إيران عبر نقاط إنزال على الشاطئ وعن طريق ميناء الصليف الكبير[xviii].
  3. تطلعات بعض القوى الإقليمية إلى تعزيز نفوذها في منطقة البحر الأحمر، وخاصة إيران وتركيا وإسرائيل التي تمتلك تصورات لأمن البحر الأحمر تشكل تهديداً للمصالح الخليجية والعربية، فإيران تنظر إلى البحر الأحمر باعتباره يشكل أحد أدوات تنفيذ أجندتها التوسعية في المنطقة، ولهذا تعمل بشكل حثيث على تعزيز نفوذها في هذه المنطقة لاستكمال مشروعها الطائفي “الهلال الشيعي” في الشمال، عبر التمدد  جنوبي هذا الهلال أي على حساب منطقة القرن الأفريقي ومضيق باب المندب بشكل خاص، بما يمهد لها الالتفاف على العمق الجيوسياسي العربي [xix].

أما تركيا فتتحرك منذ سنوات في اتجاه تعزيز نفوذها في منطقة البحر الأحمر، وسعت إبان حكم الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير إلى تأجير جزيرة “سواكن” المُطَلة على البحر الأحمر، واستخدامها في أغراض التدريب العسكري، لكن الإطاحة بنظام البشير أفشل هذه المخططات، حيث كانت تطمح من تواجدها في هذه الجزيرة التي تحظى بأهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لمنطقة الخليج والشرق الأوسط، وخاصة ما يتعلق بالأمن الإقليمي والاقتصادي للعديد من الأطراف والدول في منطقة البحر الأحمر؛ إلى إحياء دورها البحري كميناء وساحل ملاحي يمكنه تهديد القيمة الملاحية والبحرية للكثير من الموانئ الإقليمية المحيطة، والتأثير على توجيه حركة النفط العالمية عبر البحر الأحمر[xx]. كما أقامت تركيا قاعدة عسكرية في الصومال تعد أكبر معسكر تركي للتدريب خارج البلاد على الإطلاق حيث، تضم ثلاث مدارس عسكرية بجانب منشآت أخرى[xxi].

أما إسرائيل، فتهدف إلى تدويل قضية تأمين البحر الأحمر ارتباطًا بكونه ممرًّا مائيًّا دوليًّا ينبغي أن يظل مفتوحًا لسفن كافة الدول بما فيها إسرائيل، والتأكيد على أنه ليس للعرب حق السيطرة عليه أو تقييد حرية ملاحة أية دولة فيه، وتروج لفكرة تشكيل قوات دولية من الدول المتشاطئة على البحر الأحمر تتولى تأمينه حتى لا تنفرد الدول العربية صاحبة السواحل الأطول على البحر (شرق البحر وغربه) بهذه المهمة[xxii].

وفي ضوء هذه التطلعات والمشروعات التي تتبناها هذه القوى الإقليمية، فإن “مجلس الدول العربية والأفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” يمكن أن يشكل إطاراً للتنسيق بين دوله الأعضاء وتبني موقف جماعي موحد ضد تحركات هذه القوى، واحتواء تحركاتها التي تنطوي على تهديد واضح للمصالح الخليجية والعربية.

  1. التنافس بين القوى الكبرى على تعزيز النفوذ في البحر الأحمر، وخاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا والاتحاد الأوروبي قد يمثل تحدياً أمام المجلس الجديد، خاصة في ظل تباين رؤى وتصورات هذه الدول لأمن البحر الأحمر، بل وتعارضها أحياناً [xxiii]. وقد ينعكس، هذا في حد ذاته، بشكل أو بآخر على هذا المجلس في المستقبل، وربما قد يحدث نوعاً من التعارض في المواقف بين أعضائه، الأمر الذي يتطلب التركيز على هذه الجزئية في أي نقاشات مستقبلية، حتى لا تكون ثغرة أو عقبة لتحقيق أهداف المنتدى في التعاون والتكامل في ما بينها.

“مجلس الدول العربية والأفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” – فرص النجاح

إذا كانت التحديات السابقة تشكل عقبات محتملة أمام هذا المجلس، فإن هناك – في المقابل- العديد من الفرص التي يتيحها، وقد تدفع في اتجاه نجاحه وترسيخ مكانته كتجمع إقليمي جديد، لعل أبرزها:

  1. يحظى هذا المجلس بتأييد العديد من القوى الدولية، وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي والصين، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، ما يتيح فرصاً عديدة للاستفادة من هذه القوى في دعم أهداف المجلس، خاصة في ما يتعلق بتأمين حركة الملاحة وضمان أمن الطاقة العالمي. وقد أعربت أوروبا عن اهتمامها بدعم المجلس، فيما رسّخت الصين حضورها الاقتصادي والعسكري عند مدخل البحر الأحمر[xxiv]، ولا تمانع في تقديم خبراتها إلى دول المجلس، أما الولايات المتحدة الأمريكية، فإن استراتيجيتها العامة تجاه منطقة الشرق الأوسط في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب تروج لمقترح إقامة منظمة “لتحالف الخليج والبحر الأحمر”، على غرار حلف شمال الأطلسي، يضم عددًا من الدول، على رأسها مصر والأردن، والكويت والسعودية والبحرين، بجانب الولايات المتحدة الأمريكية[xxv]، ولا شك في أن مجلس الجديد، بما يسعى إلى تحقيقه من أهداف يقترب من هذا المقترح.
  2. يمكن للمجلس أن يستفيد من الاهتمام الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي بأمن منطقة البحر الأحمر وخليج عدن واستقرارها، بالعمل على استقطاب هذه المنظمات الدولية بصفة مراقب أو شريك في برامجها، وهذا من شأنه أن يضفي على المجلس الجديد مزيداً من الفاعلية والحيوية [xxvi].
  3. يمثل المجلس إطارا مؤسسيا في منطقة جيو استراتيجية واقتصادية تمثل تقاطع لقارات وملتقى طرق عالمية، ما يعني أنه قد يشكل تكتل إقليمي اقتصادي قوي يحظى باهتمام القوى الكبرى في المستقبل، وما يتبع ذلك من تعزيز فرص لتعظيم التعاون الاقتصادي، والتنمية التجارية وتنفيذ الخطط الاستثمارية بين دول المجلس مع هذه القوى والعديد من دول العالم[xxvii].
  4. يشكل البحر الأحمر جزءاً رئيسياً من مبادرة الصين المعروفة بـ “حزام واحد، طريق واحد”، وهي خطة طموحة لبناء نظير من القرن الواحد والعشرين لـ “طريق الحرير” المربِح[xxviii]، خاصة أن طريق الحرير الحديث يشكل أهم مرتكزات التنمية والنهضة الاقتصادية التي تطمح إليها دول المنطقة بالشراكة مع الصين، حيث تشهد الصين ودول المنطقة تحولاً كبيراً في مجال تنويع اقتصادها، ورفع مستوى البنية الأساسية وخلق فرص العمل، وتسريع وتيرة التنمية واستدامتها على حدٍ سواء[xxix].

خاتمة

يعد تأسيس “مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” في هذا التوقيت تحركاً استباقياً من شأنه الحفاظ على حق الدول العربية التاريخي والجغرافي في الإشراف على الأمن البحري وحركة الملاحة في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، واحتواء التحركات الإقليمية التي تستهدف تهديد المصالح العربية والخليجية في هذه الممرات المائية المهمة.

وإذا كان هذا المجلس الجديد يمتلك بالفعل العديد من المقومات التي تجعل منه نموذجاً للتكتلات الإقليمية الناجحة في المستقبل، سواء بالنظر لما تشكله أعضائه الثمانية من تجمع بشري كبير وإمكانيات اقتصادية هائلة، أو بالنظر للقيمة الجيوسياسية والاستراتيجية للبحر الأحمر وخليج عدن للعالم أجمع، فإن من الضروري على أعضاء هذا المجلس العمل أولاً على إيجاد قاعدة من المصالح المشتركة مع القوى الكبرى في العالم، كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، والصين؛ وثانياً إشراك القوى الكبرى في احتواء التحديات القائمة والمحتملة التي تهدد حركة الملاحة والأمن في منطقة البحر الأحمر، سواء تلك التي مصدرها إيران أو الميليشيات التابعة لها، وهناك من[xxx] يدعو في هذا السياق إلى ضرورة إبعاد ميليشيات الحوثي عن جميع مناطق ساحل البحر الأحمر من أجل جعل باب المندب ومنافذه الحيوية آمنة لحركة الملاحة البحرية؛ وثالثاً إيجاد مظلة أوسع للتعاون بين أصحاب المصلحة من الشركاء الإقليميين والدوليين في ضمان أمن البحر الأحمر لتشمل قضايا ومسائل متنوعة مثل التجارة وتطوير البنية التحتية والأمن البحري والهجرة المختلطة والعلاقات العمالية وحماية البيئة وإدارة الصراعات، خاصة أن هذه القضايا تندرج ضمن أولويات المجتمع الدولي[xxxi]؛ ورابعاً مراعاة مصالح بقية الدول المتشاطئة على البحر الأحمر، والتفكير مستقبلاً في توسيع عضوية هذا المجلس، وضم دول ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن البحر الأحمر وخليج عدن، وبعض الدول الأفريقية التي تتفق أهدافها مع أهداف المجلس الجديد.

الهوامش

[i].   محمد عبد القادر خليل، منظمة جديدة لدول البحر الأحمر وخليج عدن، مجلة المجلة(السعودية)، 16 يناير,2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/30AUJ76

[ii].   أحمد عسكر، البحر الأحمر وهيكلة نظام إقليمي جديد، قراءات أفريقية، 13 يناير 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2NzDkWW

[iii] صحيفة الجزيرة(السعودية)، 7 يناير 2020،  https://bit.ly/2NqAZxF

[iv] المصر السابق، https://bit.ly/2NqAZxF

[v].   أحمد عسكر، مصدر سابق

[vi]. دبلوماسيون يطلعون على أهداف “مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن”، صحيفة الشرق الأوسط(لندن)،17 يناير 2020 .

[vii] د. حمدي عبدالرحمن، رؤى متباينة: تحالف البحر الأحمر وإحياء مفهوم “الأفرابيا”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 12 يناير، 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/30sBsEF

[viii].  إحسان الفقيه، لماذا تسعى السعودية لتأسيس كيان البحر الأحمر؟، وكالة أنباء الأناضول، 16 ديسمبر 2018، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3a9npbz

[ix].  قاعدة برنيس العسكرية.. ما الهدف الاستراتيجي لمصر؟، موقع سكاي نيوز عربية، 16 يناير 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/36aZK7D

[x].   محمد عبد القادر خليل، مصدر سابق

[xi].  محمد صالح الحربي، منطقتا الخليج العربي و”البحر الأحمر وخليج عدن” قلب العالم الحديث.. شرايين الحياة رؤية تحليلية استراتيجية، صحيفة مكة(السعودية)، 21 يوليو 2019، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2RnZ0GK

[xii]. للمزيد من التفاصيل حول الأهوية الاستراتيجية للبحر الأحمر، يمكن الرجوع إلى: سامي عبد العزيز عثمان، أمن البحر الأحمر.. أبعاد ومخاطر، (دار الكتب المصرية، القاهرة، 2016).

[xiii]   عبلة مرشد، أمن البحر الأحمر مسؤولية إقليمية، صحيفة الوطن(السعودية)، 20 مارس 2019، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2sB3CAY

[xiv].  محمد شرف، هل تنجح السعودية في تنظيف “البحر الأحمر” من سباق النفوذ وصراعات السيادة؟، البيت الخليجي للدراسات والنشر، 10 مارس 2019، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/35ZOD17

[xv].   Elana DeLozier, Seeing Red: Trade and Threats Shaping Gulf-Horn Relations, The Washington Institute for Near East Policy, Policy Watch 3079, February 15, 2019, https://bit.ly/35R9cNf

[xvi]. د. حمدي عبدالرحمن، مصدر سابق

[xvii] . إيمان محمود، كيف يهدد الحوثيون أمن الملاحة في البحر الأحمر؟ موقع مصراوي، 27 يوليه 2018، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2Nvq0ms

[xviii].  مايكل نايتس وفرزين نديمي، الحد من هجمات الحوثيين على السفن المدنية في باب المندب، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 27 يوليو 2018، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/38cUzFj

[xix].  د حسن مصدق، البحر الأحمر ساحة حرب معلنة بأجندات دولية وإقليمية مختلفة، صحيفة العرب(لندن)، 22 أكتوبر 2019، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/35Xm04J

[xx]. محسن حسن، السودان في مخيال السياسة التركية الجديدة.. المتغيرات وأسبابها، مركز مقديشيو للدراسات والبحوث، 7 أغسطس 2019، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3754n47

[xxi].   Alex de Waal , Beyond the Red Sea: A new driving force in the politics of the Horn, africanarguments.org, July 11, 2018, https://bit.ly/2QT8jzi

[xxii].  د دلال محمود، أمن البحر الأحمر… المصالح العربية في مواجهة الاقترابات الخارجية، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 13 ديسمبر 2018، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2FWRX2j

[xxiii].  د حسن مصدق، مصدر سابق

[xxiv].  Zach Vertin, Toward a Red Sea forum: The Gulf, the Horn of Africa, and architecture for a new regional order, brookings.edu, Sunday, November 3, 2019, https://brook.gs/35TaXcJ

[xxv]. د دلال محمود، أمن البحر الأحمر… المصالح العربية في مواجهة الاقترابات الخارجية، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 13 ديسمبر 2018، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2FWRX2j

[xxvi].  د. عبد العزيز حمد العويشق، مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن يسُدّ ثغرةً أمنيّةً مُهمّةً، صحيفة الشرق الأوسط(لندن)، 18 يناير 2020 مـ رقم العدد [15026]

[xxvii].   محمد عبد القادر خليل، مصدر سابق

[xxviii].   Elana DeLozier, Ibid.

[xxix].    نايف الحمري، استعادة طريق الحرير التاريخي في العصر الحديث، موقع سفارة الصين لدى المملكة العربية السعودية، 27 يناير 2016، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2TyV4FO

[xxx]  مايكل نايتس وفرزين نديمي، مصدر سابق

[xxxi]    Zach Vertin, Ibid.

 

 

التعليقات

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم كشفه.