4 مارس 2020

الآثار الاقتصادية لفرض التعرفة الجمركية الأمريكية على وارداتها من الصلب والألمنيوم

بقلم محمود محمد شريف

قامت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2018 بفرض تعريفات جمركية بموجب المادة 232 على واردات الصلب والألومينيوم القادمة من الخارج بواقع 25٪ على الصلب و10٪ على الألمنيوم؛ وشملت الصلب المطلي، والسبائك، والألمنيوم، والأنابيب التي تُستهلك بكثافة في قطاعي الصناعة والتشييد، لكونها تهدد الصناعات المحلية الأمريكية وأمنها القومي.

ورداً على هذه التعريفات الجمركية، أعلنت مجموعة من الدول بما فيها الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا والهند واليابان وتركيا، فرض تعريفات مضادة على واردات محددة من الولايات المتحدة، حيث أصدر الاتحاد الأوروبي – مثلاً – قائمة بـ 10 منتجات أمريكية بما فيها المشروبات الكحولية، والدراجات النارية التي أخضعها لتعريفات جمركية رداً على الخطوة الأمريكية.

وتعديلاً لقرار عام 2018 وإتماماً له، أصدر الرئيس الأمريكي أواخر يناير عام 2020 أمراً تنفيذيا بفرض رسوم جمركية إضافية على مُنتجات جُزئية مُصنعة من الصلب والألمنيوم بواقع 25٪ على المنتجات من الصلب، وبواقع 10٪ على المنتجات من الألمنيوم. كما حدد القرار قائمة الدول التي تم استثناؤها؛ وهي الأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، والمكسيك، وكوريا الجنوبية. فما هي إذاً أبعاد هذا القرار ودلالاته وانعكاساته، وكيف سيؤثر على مستقبل التجارة العالمية الخاصة بقطاع تصنيع الصلب والألومنيوم وعلاقة الولايات المتحدة بشركائها التجاريين.

MainImg

أولاً- دوافع القرار الأمريكي

تُستخدم التعريفات الجمركية كوسيلة لتحقيق جملة من المخرجات للاقتصاد الوطني في الدولة التي تفرضها؛ ومن بينها حماية الصناعات الوطنية، ولاسيما تلك الناشئة أو غير القادرة على منافسة الواردات الأجنبية في السوق المحلية، إضافة إلى بعض العوامل المرتبطة بحماية المستهلكين أو حتى بالأمن القومي، ويمكن إجمال دوافع القرار الأمريكي في ما يلي:

  • الدوافع المرتبطة بحماية الصناعة الوطنية: وتشكل – على ما يبدوا – أحد أهم الدافع التي تقف وراء هذه الخطوة الأمريكية، ولاسيما في ظل تنامي حدة المنافسة في مجال صناعات الصلب والألمنيوم داخل السوق الأمريكية، وعدم قدرة الصناعة الأمريكية على منافسة الواردات الأجنبية من هذه الصناعات، ومن ثم جاء قرار فرض هذه الرسوم لتشجيع الصناعة المحلية وزيادة الإنتاج المحلي، وحماية الصناعة الأمريكية من منافسة منتوجات بعض الدول مثل الصين – بحسب التصريحات الأمريكية – الأمر الذي لاقى ترحيباً كبيراً من المصنعين في الولايات المتحدة الذين أعلن عدد منهم خططاً لزيادة مستوى إنتاجهم[1].
  • الدوافع المرتبطة بالتوظيف والعمالة: فحماية الصناعات الوطنية من الصلب والألمونيوم من شأنه أن يشجع المصانع على زيادة الإنتاج، وبالتالي زيادة عدد العاملين وتعزيز معدلات التوظيف وتقليل نسبة البطالة التي قد ترتفع إذا أغلقت هذه المصانع أبوابها بسبب المنافسة الدولية المُسْتعِرة؛ وهذا بحد ذاته يخدم أهداف انتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يستعد لخوض جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية نهاية العام الحالي، ولاسيما أن هذه الصناعات تتركز في ولايات ذات وزن انتخابي مهم. كما أنه يمكن أن يفسر سبب عدم اهتمام الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن بتأثيرات هذه الخطوة على حلفاء الولايات المتحدة وإعطاءها الأولوية لشؤونها الداخلية ومصالحها الخاصة.
  • الدوافع المرتبطة بالصراعات التجارية: ولاسيما بين الولايات المتحدة والصين، حيث يمكن النظر إلى هذا القرار باعتباره خطوة من قبل الإدارة الأمريكية في اتجاه سعيها إلى تنفيذ وعودها للناخبين بتخفيض العجز التجاري مع القوى الدولية الأخرى، وعلى رأسها الصين، عن طريق إعادة صياغة اتفاقيات التجارة الخارجية أو عن طريق فرض التعريفات الجمركية.
  • الدوافع المتعلقة بالأمن القومي: تعتبر واردات الألمنيوم والصلب من السلع الوسيطة  الداخلة في قطاعات صناعية استراتيجية في الولايات المتحدة مثل صناعات  السيارات والطائرات والأجهزة، وفي قطاعات صناعات البناء، والنفط، والمرافق العامة، وخطوط الأنابيب، والأسلاك، بالإضافة إلى الصناعات المتعلقة بالدفاع والأمن؛ وهناك مخاوف من أن يؤدي الاعتماد المفرط على الواردات من هذه السلع على مخاطر تهدد الأمن القومي، حيث أن أكثر من 60٪ من إجمالي المعروض من الألومنيوم في سوق الولايات المتحدة يأتي من الخارج، ما يجعلها ذات تأثير كبير على الصناعات الدفاعية والأمنية المعتمدة على الألمنيوم والصلب، وهذا ما أكده عام 2018 تقريرين أصدرتهما وزارة التجارة الأمريكية أشارا إلى أن واردات الصلب والألومنيوم أصبحت تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة الأمر نفسه الذي وظفه الرئيس دونالد ترامب مبرراً لفرض هذه الرسوم على أساس اعتباره إجراءً يخدم مصلحة الاقتصاد الأمريكي، ويحمي الأمن القومي الأمريكي.

 ثانياً- المتضررون والرابحون من القرار الأمريكي

تتصدر، وفق إحصائيات التجارة الخارجية، كل من كندا والصين ودولة الإمارات العربية المتحدة على التوالي قائمة الدول التي تستورد منها الولايات المتحدة الأمريكية الألمنيوم. وشكلت واردات الولايات المتحدة من الألمنيوم من الدول الثلاث نحو 12.8 مليار دولار أمريكي عام 2018، أي بواقع 53.1٪ من إجمالي واردات الولايات المتحدة الأمريكية من الألمنيوم للعام نفسه، كما هو موضح في الشكل التالي:

واردات الولايات المتحدة من الألمنيوم لعام 2018

Picture1

المصدر: http://www.worldstopexports.com/us-aluminum-imports-by-supplying-country

 

صادرات الألمنيوم حسب الأقاليم والقارات

Picture2

المصدر: http://www.world-aluminium.org/statistics/primary-aluminium-production

وفقاً للبيانات التي أصدرها المعهد الدولي للألمنيوم “International Aluminum Institute”، تتصدر كل من الصين، ودول مجلس التعاون الخليجي قائمة الدول المصدرة للألمنيوم عالمياً. كما تُشير البيانات إلى أنه في الوقت الذي شهدت فيه قيمة الصادرات الكندية والصينية من الألمنيوم إلى الولايات المتحدة تراجعاً قدرت نسبته بنحو 3٪ و14.5٪ لكل منهما على التوالي خلال الفترة من 2017-2018 في حين عرفت الصادرات الإماراتية من الألمنيوم إلى الولايات المتحدة نمواً قُدر بنحو 4٪ خلال الفترة نفسها؛ فيما احتلت البحرين المرتبة السابعة ضمن قائمة الدول المصدرة للألمنيوم إلى الولايات المتحدة حيث بلغت الواردات الأمريكية من الألمنيوم البحريني نحو 687.4 مليون دولار أمريكي، وبمعدل نمو بلغ نحو 10.8٪ خلال الفترة من 2017-2018 [2].

وبناءً على ما سبق يتضح أن الدول الأكثر تضرراً من القرار الأمريكي هي الدول نفسها الأكثر تصديراً للألمونيوم إليها؛ وهي كندا، والصين، والإمارات والمكسيك، علماً بأن كندا والمكسيك تم استثنائهما من القرار، لكن الخسائر لم تقتصر على هذه الدول التي قد تتأثر صادراتها إلى الولايات المتحدة، بل إنها تمتد لتشمل الأمريكيين أنفسهم، لأن فرض تعريفة جمركية على واردات الألمونيوم من الخارج سيفيد المنتجين الأمريكيين لكنه سيضر المستهلكين الذين سيعانون من ارتفاع أسعار السلع المصنعة من الألمونيوم والصلب بسبب الرسوم الجمركية عليها. كما أنه قد يضر بجودة المنتجات التي يحصل عليها المستهلك الأمريكي.

ثالثاً: تأثيرات القرار الأمريكي

  • التأثيرات على الاقتصاد الكلي: رغم بعض الفوائد التي تحققها التعريفات الجمركية في ضبط الاقتصادات الوطنية وتوجيهها، ومعالجة بعض الاختلالات التجارية، فإنه يترتب عليها في المقابل بعد النتائج السلبية؛ فوفق بيانات صندوق النقد الدولي تؤدي التعريفات الجمركية إلى تحويل التجارة والنشاطات الاقتصادية إلى المنتجين غير الأكفاء. كما أنها تشجع عملية التهريب ما بين الحدود للتهرب من هذه التعريفات. وتؤدي هذه التشوهات إلى الحد من الرفاهية العامة علاوة على أن المستهلكين يخسرون أكثر من التعريفة مما يربح المنتجون، لذلك هناك ما يسمى بـ “Deadweight Loss” أي التكلفة التي يتحملها المجتمع الناجمة عن عدم كفاءة السوق. وتؤدي التعريفة كذلك إلى إعادة توزيع الدخل ما بين العوامل والفاعلين الاقتصاديين مما يؤدي إلى إنشاء تكتلات خاصة ذات مصالح مترابطة. كما قد تؤدي السياسات الحمائية الواسعة إلى ردود أفعال تجارية انتقامية من الدول الأخرى مما يضيف المزيد من التكاليف والخسائر الاقتصادية في الأسواق العالمية.

    Picture3

    وفي حال كانت التعريفة مفروضة على المدخلات في عملية الإنتاج – وهو الوضع في هذه الحالة – فإن الخسائر المذكورة ستتفاقم كونها ستضاف إلى تكاليف الإنتاج في السلع الأخرى. وبالنظر إلى حقيقة أن التعريفة الجديدة التي فرضتها واشنطن ستؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج في قطاع الصلب والألمنيوم، وكونه يعتبر مدخل رئيسي في كثير من عمليات الإنتاج لكثير من القطاعات، فإن ارتفاع الأسعار سينتقل إلى سوق التجزئة وفي نهاية المطاف سينعكس على أسعار المستهلك؛ لأن تجار التجزئة سيقومون بزيادة الأسعار. وهذا التطور قد يدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة إلى تسريع وتيرة رفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم وتجنب المخاطرة بحدوث تباطؤ اقتصادي.

  • التأثير على القطاع الصناعي وأسواق الألمنيوم والحديد: يستفيد، نظرياً، المنتجون في الدولة المستوردة من فرض التعريفة الجمركية مما يؤدي إلى زيادة رفاهيتهم حيث أن الزيادة في سعر المنتجات التي يُنتجها المحليون في السوق تزيد من فائض المنتج في الصناعة وتزيد أرباحهم. كما أن الزيادات في الأسعار تحفز ارتفاع إنتاجية الشركات القائمة، وتؤدي إلى دخول شركات جديدة إلى هذا القطاع، وزيادة معدل التوظيف؛ وزيادة الأرباح أو العائدات أو كليهما. وهذا ما حدث، فقد قفز سعر الصلب في الولايات المتحدة بعد الإعلان عن التعريفات الجديدة إلى مستويات أعلى بكثير من معظم البلدان في جميع أنحاء العالم وذلك بنسبة 50٪ عن الأسعار الأوروبية و80٪ عن الأسعار الصينية، وهو ما من شأنه أن ينعكس إيجاباً على العاملين في هذا القطاع؛ حيث يوجد أكثر من 80 ألف شخص في الولايات المتحدة يعملون في صناعة الصلب وفي حدود 60 ألف شخص يعملون في صناعة الألمنيوم. ولكن في المقابل، ثمة تأثير سلبي على العاملين في القطاعات الأخرى المستهلكة للصلب والألمنيوم كون أن هناك أكثر من 3.4 مليون شخص يعملون في هذه القطاعات، مثل منتجات الصلب المصنعة والآلات ومعدات النقل مما سيؤدي إلى زيادة مباشرة في تكاليف الإنتاج في هذه القطاعات.
  • التأثير على أسواق الحديد والألمونيوم في الولايات المتحدة: توقع المراقبون الاقتصاديون عندما صدر قرار فرض التعرفة الجمركية الأول عام 2018 عامًا قويًا لصناعة الحديد والصلب في الولايات المتحدة؛ حيث قدر المراقبون أن ينمو قطاع الصلب في الولايات المتحدة بمعدل 14.8٪ مقارنة بالعام الذي سبقه، وذلك نتيجة لارتفاع السعر المحلي للصلب إلى أعلى مستوى في خمس سنوات. وعلى الرغم من أن الطلب على الصلب من الصناعات التي تعتمد على هذه المادة (بما في ذلك صناعات البناء، والسيارات، والبنية التحية) هو المحرك الرئيسي لأداء الصناعة، فمن المتوقع أن تسهم الحركة التصاعدية في أسعار البيع في تحقيق الأداء القوي لصناعة الصلب المحلية في الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك هناك تأثير متعلق بصادرات الولايات المتحدة من الصلب حيث توقع المراقبون أن ترتفع صادرات الصلب بمعدل أسرع من الواردات لأول مرة في فترة الخمس سنوات بفعل زيادة الإنتاج المحلي. ويعتقد المحللون أن التعريفات المطبقة عام 2018 قد خدمت صناعة الصلب في الولايات المتحدة حتى الآن، لكن تأثيراتها على القطاعات الأخرى ما يزال محل جدل. كما أدى قرار فرض التعرفة الجمركية الأول عام 2018 إلى نمو قطاع الألمنيوم بشكل ملحوظ في الولايات المتحدة في هذا العام، بعد أن شهد انخفاضاً في الإيرادات لمدة ثلاث سنوات متتالية من عام 2014 إلى عام 2016، ولكن هذه الصناعة تمكنت من محو جميع الخسائر بعد قرار فرض التعريفة الجمركية. من المتوقع أن تنمو صناعة الألمونيوم المحلية بصور أكبر مع التراجع المتوقع في الطلب على الواردات الأجنبية من هذه المادة نتيجة ارتفاع أسعار الواردات بعد فرض التعريفة الجمركية.
  • التأثير على أسواق الصلب والألمونيوم العالمية: تعاني أسواق الصلب العالمية من مشكلة “الإنتاج المفرط” “Industrial Over Capacity”، بسبب زيادة الإنتاج في كثير من دول العالم، والذي يزيد عن حاجة المستهلكين، ولاسيما الإنتاج الصيني الذي يتدفق على الأسواق العالمية بكميات كبيرة، وهو ما كان سبباً في اتهام الصين بالقيام بممارسات تجارية غير عادلة والالتفاف حول قواعد المنافسة الدولية الشفافة. وفي المقابل، سيتضرر كذلك الأشخاص العاملون والمصانع العاملة في صناعة الصلب والألمنيوم في البلدان التي تم استهدافها بالتعريفة الجمركية كالصين وكندا وغيرها، وذلك نتيجة ارتفاع تكلفة سعر هذه المنتجات مقارنة مع أسعار المنتجين المحليين، وهو ما قد يجعل هذه البلدان تخسر جزء من سوق كبير ومهم مثل السوق الأمريكي. كما سيودي هذا القرار إلى تفكيك العديد من سلاسل التوريد والإمداد عبر الحدود للشركات العاملة في قطاع الألمنيوم والصلب في الدول المذكورة حيث ستحتاج الشركات العاملة في تلك القطاعات في البلدان المستهدفة إلى إعادة رسم هياكل الإنتاج وإعادة بناء سلاسل التوريد الخاصة بها، ما يجعلها أقل قدرة على المنافسة عالمياً.وتتضح خطورة الأمر بالنسبة للدول المستهدفة بالقرار بالنظر إلى أهمية صناعة الصلب والألمونيوم بالنسبة لاقتصاداتها الوطنية:
    • ففي كندا توظف صناعة الصلب أكثر من 23 ألف كندي وتساهم بـ 4.2 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت الذي يوظف فيه قطاع صناعة الألمنيوم الكندية ما يفوق 10 آلاف عامل وتساهم بـ 4.7 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي لكندا؛ لكن استثناء كندا من القرار سيعفيها من تبعاته السلبية.
    • أما الصين فتعد أكبر دولة منتجة للصلب الخام في العالم، بحصة تقارب 50٪ من الإنتاج العالمي وفق تقديرات عام 2018، وتمثل الشركات الصينية 6 من أصل أكبر 10 شركات صناعة للصلب في العالم؛ حيث سيطرت هذه الشركات الكبيرة المملوكة للدولة على صناعة الصلب الصينية. ولتوضيح أهمية قطاع الصلب في الصين، فقد أنتجت شركة “باور ستيل” وحدها حوالي 67.43 مليون طن متري من الصلب الخام في عام 2018؛
    • وفي روسيا، التي تعد ثاني أكبر منتج للألمونيوم في العالم بعد الصين، بإنتاج نحو 3.7 مليون طن متري من الألمونيوم عام 2018 مقارنة مع 3.58 مليون طن متري عام 2017، عانت صناعة الألمونيوم فيها من وطأة العقوبات الأمريكية، ففي أوائل أبريل 2019، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على منتج الألمنيوم الرئيسي في روسيا شركة “روسال”، العملاقة التي تساهم بأكثر من 6٪ من إمدادات الألمنيوم في العالم، وذلك بسبب ملكيتها والسيطرة عليها من جانب رجل الأعمال الروسي “أوليغ ديريباسكا” المقرب من الحكومة الروسية.وقد تم رفع هذه العقوبات في وقت لاحق وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن الشركات يمكن أن تستورد مرة أخرى من روسيا بمستويات مماثلة لتلك التي كانت عليها قبل العقوبات 2018، قبل أن تعود واشنطن وتفرض تعريفة جمركية على وارداتها من الألمونيوم من بعض الدول.
  • التأثير على الشركات والمؤسسات الاقتصادية: طلبت الشركات الأمريكية العاملة في صناعات الصلب والألومنيوم من الإدارة الأمريكية فرض تعريفات جمركية على واردات البلاد من هذه المنتجات لحماية الصناعة المحلية، ومن هذه الشركات، شركة United States Steel وشركة Century Aluminum وشركة Whirlpool، حيث كانت تشكو منذ فترة طويلة من المنافسة الأجنبية غير العادلة[3].

    كبريات الشركات المتجة للألمنيوم في الولايات المتحدة بحسب حجم المبيعات

    Picture4

    ولا شك في أن منتجي الصلب في الولايات المتحدة قد استفادوا من التعرفة، حيث حققت شركة Reliance Steel & Aluminum وشركة Nucor مبيعات قياسية في عام 2018 عندما صدر قرار التعريفة الأول. أما الشركات الأمريكية المستهلكة للصلب مثل “هارلي ديفيدسون”

    و”جنرال موتورز” و”جنرال إلكتريك” فقد اضطرت إلى تعديل سلاسل التوريد الخاصة بها مع تقلص هوامش الربح، ومن بين أكثر القطاعات تضرراً هو صناعة البناء والتشييد كونها تشكل 40٪ من الطلب على الصلب في الولايات المتحدة، يليه قطاع صناعة السيارات الأمريكية الذي استحوذ على 26٪ من الطلب على الصلب عام 2017.

    أما التأثير على الشركات العالمية المنتجة للحديد والصلب، فلا شك أنه سيكون سلبياً، لأن قدرة هذه الشركات على الوصول للسوق الأمريكي الضخم والمنافسة فيه ستتراجع بصورة كبيرة، مع إعطاء ميزة تنافسية أفضل للشركات المحلية الأمريكية كما سبق التوضيح.

    فعلى سبيل المثال، قامت الشركات الصينية ببناء قدرة إنتاج ضخمة للحديد والصلب في الصين بما مكنها من أن تصبح أكبر منتج للصلب بحجم إنتاج بلغ 928 مليون طن عام 2018 أي بزيادة 6.6٪ عن العام الذي سبقه[4] الأمر الذي أدى إلى تسارع نمو صادرات الصين من هذه المنتجات بشكل جعلها تتعرض لاتهامات بأنها تتبع سياسات إغراق للأسواق العالمية. ومن شأن هذه التعريفات أن تؤثر على صادرات الصلب الصينية إلى الولايات المتحدة، لكن تأثيراتها الكلية على الاقتصاد الصيني لن تكون كبيرة بالنظر إلى محدودية حجم الصادرات الصينية من الصلب إلى السوق الأمريكية، أما التأثير الأخطر فيمكن أن يأتي من تراجع الطلب داخل السوق الصيني نفسه، نتيجة تراجع النمو، أو إذا لجأت دول أخرى إلى اقتفاء أثر الخطوة الأمريكية.

    Picture5

    أما الشركات الكندية، فكان يتوقع أن تكون هي المتضرر الأكبر بالنظر إلى حقيقة أن السوق الأمريكية شكلت ما نسبته 82٪ من إجمالي صادرات الحديد والصلب الكندية في عام 2018، لكن استثناء كندا من تطبيق القرار جعلها هي وشركاتها من المستفيدين من القرار الأمريكي، نظراً لأن تنافسيتها مع الواردات الأجنبية القادمة من الدول الأخرى المفروض عليها الرسوم الجمركية ستكون أعلى.

  • التأثيرات الاستثمارات والتجارة والقطاع المالي العالمي

    كان هناك توجس من أن يؤدي القرار الأمريكي إلى ردود انتقامية من الشركاء التجاريين لأمريكا – مما كان سيفرض على الولايات المتحدة الرد على هذا التهديد الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى انعكاسات سلبية على الاقتصادين الأمريكي والعالمي. فمن حيث التأثير على هيكل التجارة سيؤثر قرار التعرفة على واردات منتجات المعادن الأساسية إلى الولايات المتحدة التي سينخفض ​​حجمها بسبب هذا الإجراء الحمائي.

    Picture6

 

 ومن حيث التأثير على الاستثمار فإن التعرفة الجمركية تخلق حالة من عدم اليقين مما يؤثر سلبا على الاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة، ولكن من ناحية أخرى قد تقوم الشركات التابعة للدول المفروض عليها التعريفية بتغيير مقارها إلى الولايات المتحدة كي تتفادى التعرض للضريبة، وهذا بدورة قد يزيد من نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة.

فخلال الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة انخفضت الاستثمارات الأجنبية في الأخيرة بواقع 90% في النصف الأول من عام 2017، إلى 1.8 مليار دولار. كما باع المستثمرون الصينيون 9.6 مليار دولار من الأصول الأمريكية، مما أدى إلى تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل سلبي من الصين إلى الولايات المتحدة[5]. وبالنسبة للقطاع المالي فإنه سيؤدي إلى مزيد من الذبذبة في أسواق الأسهم [6]كما ستؤدي حالة عدم اليقين إلى تقليص هامش السياسة المالية[7].

وفيما يتعلق بالتأثير على الاقتصاد الأوروبي، قد تؤدي التعريفية إلى تنخفض صادرات الاتحاد الأوروبي من المنتجات المعدنية إلى الولايات المتحدة نوعا ما، لكن التأثيرات الإجمالية على إجمالي الصادرات الأوربية ستكون أصغر بكثير بسبب الأهمية “النسبية” لقطاع المعادن في هيكل الصادرات الأوروبية. وكذلك الحال بالنسبة لليابان حيث يتوقع أن يكون التأثير على الصادرات والقطاع الإنتاجي صغيراً كون الولايات المتحدة ليست سوق تصدير رئيسيًا لليابان في هذه المنتجات. والأمر نفسه بالنسبة للهند. ولكن التأثير الأكبر سيكون على روسيا كون الولايات المتحدة هي سوق التصدير الرئيسية لها، بالإضافة إلى أن إمكانية رفع التعريفات عنها تبدو ضئيلة.

بالنسبة للتأثير على الاستثمار العالمي فقد أشار تقرير لمنتدى الاقتصاد العالمي إلى أنه استنادا إلى مقياس Ebeke وSiminitz لعدم اليقين في مجال التجارة الذي تم تجميعه على مستوى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة فإنه في حالة زيادة الانحراف المعياري بدرجة واحدة في مستوى عدم اليقين التجاري سينخفض معدل الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو بنسبة 0.75٪ لمدة خمسة فصول. كما أشار التقرير أن  الباحثون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي يضعون مقاييس مختلفة لعدم اليقين في السياسة التجارية – واحد على مستوى الشركة ومؤشرين كليين يعتمدان على استخدام تغطية الصحف وتقلب البيانات على تعريفة الاستيراد  وقدروا أن ارتفاع عدم اليقين في السياسة التجارية في عامي 2017 و2018 سيخفض  إجمالي الاستثمار العالمي  بنسبة 1-2 ٪.[8] والقرارات المتعلقة بالسياسة التجارية كفرض التعرفة الجمركية والتي لها طابع حمائي من شأنها انى تؤثر على نشبة الانحراف المعياري وبشكل عام على نسبة عدم اليققين وهذا بدورة سيخفض من معدل الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي ولذلك فقرار فرض التعريفة الجمركية الأخير من شأنه أن يزيد نسبة عدم اليقين ومن ثم خفض معدل  الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي.

 

 

خاتمة

يتضح مما تقدم عرضه في هذه الورقة أن قرار الولايات المتحدة بفرض التعريفة الجمركية هدف إلى حماية صناعاتها الوطنية من منافسة الواردات الأجنبية، وحماية أمنها القومي، ولكن تأثيرات هذه الخطوة تجاوزت الحدود الأمريكية بالنظر إلى مكانة الاقتصاد الأمريكي وارتباطاته العالمي، ولاسيما مع القوى الدولية المصدرة لمنتجات الصلب والألمونيوم؛ مثل الصين، وكندا، ودولة الإمارات العربية المتحدة. بيد أن تأثيرات الخطوة الأمريكية على الاقتصاد الدولي تباينت من حيث حجم صادرات كل دولة من هذه المنتجات إلى السوق الأمريكية، ومدى اعتماد اقتصادها على هذه المنتجات في تجارتها مع العالم. ورغم المخاوف الأولية من تأثيرات هذه الخطوة على الاقتصاد العالمي في حال ردت الدول المتضررة بإجراءات مشابهة، فإن مؤشرات السوق واتجاهاته أبرزت أن العالم آخذٌ في التأقلم مع هذا المستجد والتكيف معه.

[1]  مجدي صبحي، ” حماية الأمن القومي الأمريكي أم حماية الصناعة؟!”، بوابة العين الإخبارية، 31 يناير 2020.

[2] http://www.worldstopexports.com/us-aluminum-imports-by-supplying-country

[3] https://www.thomasnet.com/articles/top-suppliers/aluminum-manufacturers-suppliers/

[4] S&P Global https://www.spglobal.com/en/research-insights/articles/chinese-steel-output-reaches-new-heights

[5] CNBC https://www.cnbc.com/2018/07/05/ripple-effect-from-pending-us-china-trade-war-drop-in-fdi-worldwide.html

[6] https://www.putnam.com/institutional/content/marketOutlooks/772-trump-tariffs-and-trade-the-impact-on-stocks

[7] World economic Forum https://www.weforum.org/agenda/2019/01/how-trade-war-would-impact-global-growth-tariff/

[8]World Economic Forum  https://www.weforum.org/agenda/2019/10/tariffs-and-monetary-policy-us-china-tariff-war/

التعليقات

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم كشفه.